( قام عن العشاء ، وخلع ثيابه ، واخذ منشقة واتزر بها . ثم صب ماء فى مغسل ، وابتدأ
يغسل أرجل
التلاميذ ويمسحها بالمنشفة ) ( يو 13 : 4 ، 5 )
دروس روحية من الماء
لقد غسل السيد المسيح أرجل تلاميذه يوم الخميس الكبير ، وغسلها قبل التناول ، قبل أن
يمنحهم السرائر
المقدسة ، وقال لهم بعد غسل أرجلهم ، ها انتم طاهرون .
لعله أراد أن يعطينا درسا عن الطهارة قبل التناول
فيتقدم الإنسان إلى الأسرار المقدسة وهو طاهر ....او لعله يعطينا درسا آخر ، أن الطهارة
منحة من
عنده . هو الذى يمنحنا إياها ، هو يغسلنا فنطهر . ونلاحظ انه غسل أرجل التلاميذ ، دون
أن يطلبوا ذلك
، كما منحنا الفداء العظيم دون أن نطلب ....
أو لعله أراد أن يعطينا درسا فى التواضع .....
فى التواضع ، إذ كيف ينحنى المعلم العظيم ليغسل أرجل تلاميذه ، وكيف ينحنى الرب نفسه
ليغسل أرجل
صنعة يديه . ولكى يوضح هذا الدرس ، قال لهم بعد غسل أرجلهم :
( أتفهمون ما قد صنعت بكم ؟ انتم تدعوننى معلما وسيدا ، وحسنا تقولون لانى أنا كذلك .
فان كنت –
وأنا السيد والمعلم – قد غسلت أرجلكم ، فانتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض . لانى
أعطيتكم
مثالا ، حتى كما صنعت بكم تصنعون انتم أيضا ( يو 13 : 12- 15
أو لعل الرب أعطانا بغسل الأرجل درسا فى المحبة ......
فهو من محبته لتلاميذه ، منحهم هذه الطهارة كى يمنحهم بنفس المحبة جسده ودمه . ولذلك
قيل عنه قبل
غسله لارجل تلاميذه (إذ كان قد احب خاصته الذين فى العالم ، احبهم حتى المنتهى ...)( يو
13 : 1)
ولعل فى الماء دروسا أخرى ، علينا أن نتاملها اليوم :
واظن انه من النافع لنا ، أن نأخذ فكرة عن هذا الماء الذى سنغسل به أرجلنا اليوم بعد
طقس صلاة
اللقان ... ما هو الماء فى الكتاب المقدس ؟ وما مدى علاقتنا به ؟
الماء فى الكتاب المقدس له على الأقل ثلاثة رموزا أو ثلاثة معان . نود أن نتكلم عنها ،
ثم نتابع
تأملاتنا فيه :
الماء يرمز إلى النقاوة والتطهير ....
ويرمز إلى الحياة ....
ويرمز إلى عمل الروح القدس ، أو إلى الروح القدس نفسه ....
1- الماء وعمل التطهير
عمل التطهير واضح جدا من فصل إنجيل اليوم فى غسل السيد لارجل تلاميذه . وتوجد أمثلة
أخرى كثيرة فى
الكتاب المقدس . ولعلنا نذكر انه كانت توجد مرحضة فى خيمة الاجتماع ، بين الخيمة
والمذبح ، وفى
المرحضة الماء ( فيغسل هرون وبنوه أيديهم وأرجلهم منها عند اقترابهم إلى المذبح للخدمة
.... فريضة
أبدية له ولنسله فى أجيالهم )
( خر 3. : 18 – 21)
الاغتسال أولا . الطهارة أولا ، قبل التقدم إلى المذبح والذبيحة .
ومثال الاغتسال فى خيمة الاجتماع ، يقابله أيضا الاغتسال فى الأردن ، وفى بركة سلوام ،
وفى بركة بيت
حسدا .......
هنا و نقف وقفة تأمل أمام قصة تطهير نعمان السريانى . كان هذا الرجل ابرص ، والبرص كان
نجاسة ، وكان
يرمز إلى الخطية ، ويحتاج إلى تطهير . فكيف تم تطهير نعمان من برصه ؟ أمره اليشع النبى
أن يغطس فى
نهر الأردن ليبرا ( 2 مل 5 : 1. ) ونهر الأردن يذكرنا بمعمودية يوحنا ، حيث كان اليهود
يأتون إليه ،
ويغطسون فى الأردن وينالون مغفرة خطاياهم ، فيطهرون روحيا .......
انخرج من هذا بان ماء الطهارة أيضا له رمز إلى المعمودية ؟
قصة أخرى يقدمها الكتاب ، وهى شفاء مريض بيت حسدا . كان فيها أيضا الشفاء مرتبطا بالماء
. وما اجمل
قول الكتاب فى تلك القصة إن ملاكا كان ينزل إلى البركة ويحرك الماء
( يو 5 : 4 ) ويتم الشفاء لمن ينزل إلى البركة بعد تحريك الملاك للماء . فالملاك إذن
كان يتحريكه
للماء ، يعطى الماء فاعلية وقوة . يذكرنى هذا بالأب الكاهن ، عندما يمسك صليبه ، ويحرك
به الماء فى
جرن المعمودية ، أو فى اللقان ، وهو يرشم هذا الماء ، ويعطيه قوة وفاعلية ..... انذكر
أيضا بركة
سلوام ، التى أرسل إليها السيد المسيح رجلا مولودا أعمى ، لكى يغتسل من مائها ، فيبرا
ويستنير ويبصر
( يو 9 :7 )
يمكن أن نضم الدموع أيضا إلى موضوع الماء ....
فالدموع ماء ، يحدث به تطهير للنفس وشفاء للروح ، كما حدث من ماء بركة سلوام ، وبركة
بيت حسدا . فى
قصة المرأة الخاطئة التى علمت أن السيد المسيح متكئ فى بيت الفريسى ، فأخذت قارورة طيب
كثير الثمن ،
ووقفت عند قدمى المسيح باكية ، وكانت تبلل قدميه بدموعها وتدهنهما بالطيب ( لو 7 : 38 )
صدقونى لست اعلم : أيهما كان أطيب رائحة ، الطيب أم دموع هذه التائبة ؟ ! بلا شك صاحبة
الفاعلية
.....
كانت دموع هذه المرأة طيبا من نوع غالى الثمن جدا . والسيد الرب طوب هذا الطيب الجديد
الذى تبللت به
قدماه . إذن الماء مرتبط بالتطهير ، حتى ماء العيون ، حينما يحركه ملاك ترسله النعمة .
هنا ونتذكر
قول المزمور (مز 5. ) انضح على بزوفاك فاطهر وماذا أيضا ؟ يقول المرتل :
( اغسلنى ، فابيض اكثر من الثلج ) .....
والغسيل فى المسيحية بطريقتين : المعمودية ، والتوبة .
ونرى أن الخاطئة يهوذا ، التى وردت قصة تطهيرها فى الإصحاح 16 من سفر حزقيال النبى ،
قال لها الرب (
وجدتك مدوسة بدمك ... فحممتك بالماء ، ودهنتك بالزيت ) الماء هنا يرمز إلى ماء
المعمودية الذى يطهر
به الإنسان من كل خطاياه السابقة الجدية والفعلية . والزيت يرمز إلى زيت الميرون الذى
يعطى الروح
القدس ، ولكن بعد الماء .... ولقد ظل الماء رمزا للتطهير ، حتى أن الكاهن قبل أن يبدا
القداس ، يغسل
يديه بالماء ثلاث مرات ، ويقول فيها :
(اغسل يدى بالنقاوة ،و أطوف بمذبحك يارب ) ( مز 25 ) .
لا يقول ( اغسل يدى بالماء ) إنما ( اغسل يدى بالنقاوة ) لان غسيل الماء هنا يرمز إلى
النقاوة ، كما
ترمز إليها الملابس البيضاء التى يلبسها الكاهن وقت الخدمة . وكما كان يغتسل هرون وبنوة
قبل تقدمهم
إلى المذبح ....
ورمز الماء إلى الطهارة ، كان معروفا حتى بين الأمم
فبيلاطس البنطى ، لكى يريح نفسه من تعب ضميره ، غسل يديه بالماء وهو يقول ( أنا برئ من
دم هذا البار
) ( مت 27 : 24 ) طبعا هو لم يكن بريئا ، ولكننا نذكر هنا مجرد إيمانه برمز غسيل الماء
إلى الطهارة
.
هنا ونود أن نطرح تأملا بسيطا خاصا بماء الطوفان .....
لا ننكر أن مياه الطوفان كانت عقوبة من الله . ولكن هل يقف الأمر عند مجرد العقوبة ؟ أم
كانت هذه
المياه تطهيرا للأرض من الخطية والخطاة ، تطهيرا للأرض من الفساد الذى نجسها ، فغسلها
الله من خطايا
الإنسان ، بالماء ليطهرها ويجددها لكى تحيا مرة أخرى فى نقاوة ...
إن غسل السيد المسيح لارجل تلاميذه كان يرمز لتطهيرهم .
ولا شك أن هذا كان لازما فى مناسبة الفصح وعيد الفطير .
نلاحظ من قراءت الكنيسة فى طقس الخميس الكبير ، فى هذه الساعة المقدسة وما قبلها ، أن
غسل الأرجل تم
فى اليوم الأول من عيد الفصح وعيد الفطير . الفطير يرمز للنقاوة والطهارة التى تليق
بتناول الفصح ،
بينما الخمير يرمز إلى الشر . قد غسل السيد المسيح أرجل التلاميذ فى هذه المناسبة
المقدسة ، التى
جمع فيها بين عيد الفصح ، وبين تقديم نفسه فصحا عنا . ومعلمنا بولس الرسول أشار إلى كل
هذا بقوله :
لان فصحنا أيضا المسيح قد ذبح لاجلنا . فلنعيد لا بخمير الخبث والشر ، بل بفطير الإخلاص
والحق ( 1كو
5 : 7 ، 8 )
وخروف الفصح قديما كانوا يأكلونه مع فطير ( خر 12 : 8 )
رمزا إلى النقاوة التى تليق بالأكل من خروف الفصح . حقا إن خروف الفصح قد خلصهم من
الموت ، والملاك
المهلك لما رأى الدم عبر عنهم . ولكنهم لكى يتمتعوا بذلك الخلاص لابد أن يعيشوا فى فطير
دائم ترمز
إليه السبع الأيام ، اى فى نقاوة كاملة . وكل نفس تستبقى فى بيتها خميرا فى أيام الفصح
( اى شرا )
تقطع تلك النفس من جماعة الشعب ( خر 12 : 19 ) . والسيد المسيح مع الفصح غسل أرجل
التلاميذ ، رمزا
للنقاوة التى يشير إليها الفطير .
وغسل الماء يرمز أيضا إلى المعمودية ......
والكتاب المقدس يسميه غسيل أو حميم الميلاد الثانى ( تى 3 : 6 )
فى المعمودية توجد عملية تطهير من جميع الخطايا السابقة ، سواء الأصلية أو الفعلية ، عن
طريق الماء
والروح . وسنعود إلى هذا الموضوع مرة أخرى فى سياق حديثنا ..... ونكتفى الآن فى مناسبة
اللقان ،
برمز الماء إلى عمل التطهير ، ونحن مقبلون على هذا السر العظيم ، التناول من جسد الرب
ودمه ....
2- الماء يرمز الى الروح القدس
وهذا واضح من قول الرب فى الإنجيل المقدس ( من آمن بى – كما قال الكتاب – تجرى من بطنه
انهار ماء حى
. قال هذا عن الروح الذى كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه )
( يو 7 : 38 )
ولان روح الله شبه بالماء ، لذلك فان تلاميذ الرب الممتلئين بالروح شبهوا بالنهار .
وكذلك الأناجيل
الموحى بها من الروح .
وهكذا قيل عن الكنيسة المقدسة فى المزمور ( مز 23 ) ( هو على البحار أسسها ، وعلى
الأنهار هيأها )
وحسن ما ورد فى قصة الخليقة أن أربعة انهار كانت تروى الجنة
( تك 2 : 1 – 14 ) ولعلها ترمز إلى الأناجيل ، التى تروى المؤمنين جميعا ، والتى كتبت
بالروح القدس
( الناطق بالأنبياء )
ولان الماء يرمز إلى الروح ، شبه الله نفسه بالماء .
فقال ( تركونى أنا ينبوع المياه الحية . لينقروا لانفسهم آبارا ، آبارا مشققة لا تضبط
ماء ) ( (أر 2
: 13 ) واصبح الشخص الذى يحيا حياته مرتويا من الروح القدس ،
يشبه بشجرة مغروسة على مجارى المياه ،
إنها تحيا بهذا الماء ، وبه تنمو . وبدونه تموت ...
وهكذا ارتبط الماء أيضا بالحياة ، ولقب أيضا فى الكتاب بالماء الحى .
3- ارتباط الماء بالحياة
حتى الحياة الجسدية ترتبط أيضا بالماء ، سواء كانت حياة لإنسان أو نبات أو حيوان . وقد
قيل فى قصة
الخليفة إن الله اخرج من الماء ذوات الأنفس الحية ( 1 : 2. ، 21 )
والحياة الروحية أيضا ترتبط بالماء .....
تبدا بالولادة من الله ، الولادة التى من فوق ، من الماء والروح ( يو 3 : 3، 5 ) ولماذا
الماء
لان الروح القدس يعمل فى الماء ، وفيه يطهر ويحيى ، يعطى نقاوة وحياة . يغتسل الإنسان
فى ماء
المعمودية فيأخذ طهارة . يموت الإنسان العتيق ، ويحيا إنسان جديد على صورة الله فينال
الإنسان حياة
،وينجو من حكم الموت ....
هذه هى المعمودية . ولها رموز فى العهد القديم أيضا ....
قال القديس بولس الرسول ( لست أريد أيها الاخوة أن تجهلوا ، أن آباءنا جميعهم كانوا تحت
السحابة ،
وجميعهم اجتازوا فى البحر ، وجميعهم اعتمدوا لموسى فى السحابة وفى البحر ) ( 1كو 1. : 1
، 2 )
السحابة ماء ، والبحر ماء ، وكلاهما كان للمعمودية . هذا الماء دخله آباؤنا شعبا
مستعبدا تحت عبودية
فرعون . وخرجوا منه شعبا حرا تحت قيادة الله وموسى . هذا الشعب الهارب من العبودية ،
دخل الماء
والموت يجرى وراءه ، وخرج منه وقد نال حياة جديدة انتصرت على الموت
حدث تغيير هام فى اجتياز هذا الشعب للماء ....
وكانت السحابة تظللهم باستمرار ، لانهم كانوا يعيشون فى ظل هذا الماء الحى ، أو الماء
المحيى ، طول
مدة غربتهم فى البرية التى ترمز إلى غربة هذا العالم الحاضر .
إن السيد المسيح يدعونا إلى مائه ويقول :
إن عطش أحد ، فليقبل إلى ويشرب ) ( يو 7 : 37 ) وقد دعا المرأة السامرية إلى مائه الحى
، وقال لها (
من يشرب من الماء الذى أعطيه أنا ، فلن يعطش إلى الأبد . بل الماء الذى أعطيه ، يصير
فيه ينبوع ماء
ينبع إلى حياة أبدية ) ( يو 4 : 14 )
داود النبى يسميه فى مزمور الراعى ، ( ماء الراحة ).
فيقول عن الله الراعى ( إلى ماء الراحة يوردنى ) اى إلى الماء الحى ، ماء الروح القدس .
وما نتيجة
هذا ؟ يقول ( يرد نفسى ، يهدينى إلى سبل البر ) هذا هو بلا شك عمل الروح فى الإنسان .
يقوده فى الحياة الروحية وفى التوبة .....ويعطيه الفرح ....
الفرح بالخلاص أو كما يسميها المرتل ( بهجة خلاصك ) ( مز 5. ) ويقول المزمور
( مجارى الأنهار تفرح مدينة الله ) ( مز 45 ) انه الفرح الروحى ، أحد أثمار الروح القدس
( غل 5 : 22
) هذه المياه التى تفرح مدينة الله تذكرنا بحقيقة أخرى عن الماء نتذكرها ونحن نتقدم
للقداس الالهى
للتناول ، بعد غسل أرجلنا بالماء هذه الحقيقة تعبر عنها كلمتان هما :
الماء والدم
عندما طعن السيد المسيح بالحربة ، خرج من جنبه دم وماء ( يو 9 : 34 ) وقد شهد القديس
يوحنا الحبيب
بهذه الحقيقة فى رسالته الأولى ( 4 : 6 )
وقال أيضا ( والذين يشهدون فى الأرض هم ثلاثة : الروح والماء والدم . والثلاثة هم فى
الواحد ) ( 1
يو 4 : 8 ) ما اعجب هذه الآية فى موضوع خلاصنا . فما سرها ومعناها ؟
معناها أن الخلاص الذى قدمه المسيح بالدم ، على الصليب ، تناله أنت بالماء والروح فى
المعمودية ...
ويشهد لخلاصك هؤلاء الثلاثة : الروح والماء والدم . بدون الدم لا حياة ، لانه بدون سفك
دم لا تحصل
مغفرة ( عب 9 : 22) ولكن كيف تنال هذا الخلاص المقدم لك بالدم ؟ يقول السيد المسيح ( من
آمن واعتمد
خلص ) ( مر 16 : 16 ) وفى المعمودية يولد من الماء والروح
( يو 3 : 5 ) وينال مغفرة الخطايا ( أع 2 : 38 )
والماء والدم ، نراهما أيضا فى سر الافخارستيا .....
حيث أن الكاهن فى صلاة القداس الالهى يمزج الخمر بالماء . ويقول فى صلوات القداس
( وكذا الكأس بعد العشاء ، ومزجها من خمر وماء ... ) وبهذا الدم الذى نتناوله ممزوجا
بالماء ، ننال
الحياة . ونرى فى كل منهما علاقة بالحياة ، فى الدم وفى الماء ولكن قبل تذكارات هذا
التناول أود أن
اختم بكلمة عن اللقان عن غسل الأرجل ....
لماذا غسل الأرجل ؟
السيد المسيح غسل أرجل تلاميذه . فلماذا غسل الأرجل بالذات ؟ بالإضافة إلى ما يمكن أن
نقوله عن
الاتضاع فى غسل الأرجل ، واود أن اذكر تأملا للقديس اوغسطينوس حول قول العروس فى سفر
النشيد ( نش 5
: 3 )
خلعت ثوبى ، فكيف البسه ؟ غسلت رجلى فكيف أوسخهما ؟
قال إن الإنسان قد اغتسل بالمعمودية وتطهر وارتفع عن الماديات ، غير انه طالما يحيا فى
الأرض ، فانه
يعود ويتصل بالمادة ، بهذا التراب ، فتتسخ قدماه بهذا التراب الذى تطوه قدماه
لذلك فان عذراء النشيد حينما دعاها الرب لخدمته ، خافت من هذه الاحتكاكات التى قد توجد
فى مجال
الخدمة ، والتى قد تشين الطهارة التى نالتها فى المعمودية إذ خلعت هذا الثوب الذى هو
الإنسان العتيق
، فكيف تعود إلى مشاكله .وقد غسلت قدميها اللتين داستا التراب من قبل ، فكيف تعود بهما
إليه ؟!
السيد المسيح يطمئن النفس ، التى تدخل فى مشاكل الناس لكى تجذبهم إليه ، فيقول لها :
حتى إن اتسخت
قدماك ، سأعود أنا واغسلهما كما غسلت أرجل التلاميذ وقلت لهم: ها انتم طاهرون
ملاحظة أخرى نقولها فى غسل الأرجل:
إن غسل الأرجل ، تنوب عن غسل الإنسان كله .
والقديس بطرس الرسول لما طلب أن يغتسل كله ، قال له الرب
( الذى قد اغتسل ، ليست له حاجه إلا إلى غسل رجليه ، بل هو طاهر كله ) ( يو 13 : 1. )
والكاهن حينما
يغسل يديه قبل القداس ،
ويقول ( اغسل يدى بالنقاوة ، واطوف بمذبحك يارب ) ليس هو فى حاجة إلى غسل جسده كله .
إنما عضو فى
الجسد ينوب عن الباقى .كما نرشم عضوا واحدا فى الجسد فيعتبر الإنسان كله قد نال هذا
الرشم .....
وغسيل الأرجل فى لقان الخميس الكبير ، يرمز إلى النقاوة التى يجب أن تسبق التناول .
فاهتموا بهذا
الأمر . ويعجبنى فى هذا المجال عبارة قالها صموئيل النبى ، حينما ذهب إلى بيت لحم .
ودعا إلى
الذبيحة بقوله :
تقدسوا ، وتعالوا معى إلى الذبيحة ( 1 صم 16 : 5 ) .
لانه لا يليق أن يذهب أحد إلى الذبيحة وهو غير تائب ، إنما يتقدس أولا ، يتطهر بالتوبة
، ثم يتقدم
إلى التناول .والكنيسة تغسل أولا أرجل الشعب ، وتقول لهم ( انتم الآن طاهرون ) ثم
تقدمهم للتناول .
ولكن ليس معنى هذا أن تأتى إلى الكنيسة يوم خميس العهد ، وتتقدم لغسل رجليك وأنت غير
تائب . وإلا
تسمع تلك العبارة المخيفة :
أنت ( الآن ) طاهرون ولكن ليس كلكم ) ( يو 13 : 1. )
( ليس كلكم ) ؟! لا يارب ، نريد أن نكون كلنا طاهرين انضح علينا بزوفاك فنطهر ، واغسلنا
فنبيض اكثر
من الثلج . نعم ، هذا هو هدف اللقان . الطهارة قبل التناول.
( تقدسوا ، وتعالوا معى إلى الذبيحة ).
أرجو لكم تناولا مقدسا ، باستحقاق ، من السرائر المقدسة فى هذا اليوم العظيم ، وان
تكونوا كلكم
طاهرين . إن الطهارة التى يحملها رمز الماء ، توجد فى الكنيسة فى كل قداس ، وليس فى
قداس اللقان فقط
. وبعد كل قداس ، قبل أن يصرف الكاهن الشعب ، يرشهم بماء مقدس ، فتتذكر قول الرب فى سفر
حزقيال
النبى :
( وارش عليكم ماء طاهرا ، فتطهرون ) ( حز 36: 25 ) .